فصل: فتنة القبر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تعليق مختصر على كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد (نسخة منقحة)



.فتنة القبر:

الفتنة لغة: الاختبار. وفتنة القبر: سؤال الميت عن ربه، ودينه، ونبيه، وهي ثابتة بالكتاب والسنة.
قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}» متفق عليه.
والسائل ملكان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، قال: يأتيه ملكان فيقعدانه». رواه مسلم. واسمهما منكر ونكير كما رواه الترمذي عن أبي هريرة مرفوعًا وقال حسن غريب. قال الألباني: وسنده حسن وهو على شرط مسلم، والسؤال عام للمكلفين من المؤمنين والكافرين، ومن هذه الأمة وغيرهم على القول الصحيح، وفي غير المكلفين خلاف، وظاهر كلام ابن القيم في كتاب (الروح) ترجيح السؤال. ويستثنى من ذلك الشهيد؛ لحديث رواه النسائي. ومن مات مرابطًا في سبيل الله لحديث رواه مسلما.

.عذاب القبر أو نعيمه:

عذاب القبر أو نعيمه ثابت بظاهر القرآن، وصريح السنة، وإجماع أهل السنة. قال الله تعالى في سورة (الواقعة): {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ}، إلى قوله: {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ}. إلخ السورة.. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من عذاب القبر، وأمر أمته بذلك. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب المشهور في قصة فتنة القبر، قال في المؤمن: «فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، والبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، فيأتيه من ريحها، وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره». وقال في الكافر: «فينادي منادٍ من السماء أن كذب عبدي فافرشوه من النار، وافتحوا له بابًا من النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه». الحديث رواه أحمد وأبو داود.
وقد اتفق السلف وأهل السنة على إثبات عذاب القبر ونعيمه ذكره ابن القيم في كتاب (الروح).
وأنكر الملاحدة عذاب القبر متعللين بأننا لو نبشنا القبر لوجدناه كما هو.
نرد عليهم بأمرين:
1- دلالة الكتاب، والسنة، وإجماع السلف على ذلك.
2- أن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا فليس العذاب أو النعيم في القبر المحسوس في الدنيا.

.هل عذاب القبر أو نعيمه على الروح أو على البدن؟

قال شيخ الإسلام ابن تيميه: مذهب سلف الأمة وأئمتها أن العذاب أو النعيم يحصل لروح الميت وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة، أو معذبة وأنها تتصل بالبدن أحيانًا فيحصل له معها النعيم أو العذاب.

.النفخ في الصور:

النفخ معروف. والصور لغة: القرن.
وشرعًا: قرن عظيم التقمه إسرافيل ينتظر متى يؤمر بنفخه، وإسرافيل أحد الملائكة الكرام الذين يحملون العرش، وهما نفختان:
إحداهما: نفخة الفزع ينفخ فيه فيفزع الناس ويصعقون إلا من شاء الله.
الثانية: نفخة البعث ينفخ فيه فيبعثون ويقومون من قبورهم.
وقد دل على النفخ في الصور الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.
قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}. {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، ثم لا يبقى أحد إلا صعق، ثم ينزل الله مطرًا كأنه الطل أو الظل (شك الراوي) فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون». رواه مسلم في حديث طويل.وقد اتفقت الأمة على ثبوته.

.البعث والحشر:

البعث لغة: الإرسال، والنشر.
وشرعًا: إحياء الأموات يوم القيامة.
والحشر لغة: الجمع.
وشرعًا: جمع الخلائق يوم القيامة لحسابهم والقضاء بينهم.
والبعث والحشر حق ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين، قال الله تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُن}. وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد» متفق عليه.
وأجمع المسلمون على ثبوت الحشر يوم القيامة.
ويحشر الناس حفاة لا نعال عليهم، عراة لا كسوة عليهم، غرلًا لا ختان فيهم؛ لقوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنكم تحشرون حفاة، عراة، غرلًا. ثم قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} وأول من يكسى إبراهيم». متفق عليه.
وفي حديث عبد الله بن أنيس المرفوع الذي رواه أحمد: «يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلًا، بهمًا». قلنا: وما بهمًا؟ قال: «ليس معهم شيء» الحديث.

.الشفاعة:

الشفاعة لغة: جعل الوتر شفعًا.
واصطلاحًا: التوسط للغير بجلب منفعة، أو دفع مضرة.
والشفاعة يوم القيامة نوعان: خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعامة له ولغيره.
فالخاصة به صلى الله عليه وسلم شفاعته العظمى في أهل الموقف عند الله ليقضي بينهم حين يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون، فيذهبون إلى آدم، فنوح، فإبراهيم، فموسى، فعيسى، وكلهم يعتذرون إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فيشفع فيهم إلى الله فيأتي سبحانه وتعالى للقضاء بين عباده.
وقد ذكرت هذه الصفة في حديث الصور المشهور لكن سنده ضعيف متكلم فيه وحذفت من الأحاديث الصحيحة فاقتصر منها على ذكر الشفاعة في أهل الكبائر.
قال ابن كثير وشارح الطحاوية: وكان مقصود السلف من الاقتصار على الشفاعة في أهل الكبائر هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة.
وهذه الشفاعة لا ينكرها المعتزلة والخوارج، ويشترط فيها إذن الله؛ لقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}.
النوع الثاني العامة: وهي الشفاعة فيمن دخل النار من المؤمنين أهل الكبائر أن يخرجوا منها بعدما احترقوا وصاروا فحمًا وحميمًا؛ لحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أناس- أو كما قال- تصيبهم النار بذنوبهم- أو قال- بخطاياهم فيميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحمًا أذن في الشفاعة» الحديث رواه أحمد.
قال ابن كثير في النهاية (ص204 ج2): وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه من هذا الوجه.
وهذه الشفاعة تكون للنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء، والملائكة، والمؤمنين؛ لحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: «فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط قد عادوا حممًا» متفق عليه.
وهذه الشفاعة ينكرها المعتزلة والخوارج بناء على مذهبهم أن فاعل الكبيرة مخلد في النار فلا تنفعه الشفاعة.
ونرد عليهم بما يأتي:
1- أن ذلك مخالف للمتواتر من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2- أنه مخالف لإجماع السلف.

.ويشترط لهذه الشفاعة شرطان:

الأول: إذن الله في الشفاعة؛ لقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}.
الثاني: رضا الله عن الشافع والمشفوع له؛ لقوله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}. فأما الكافر فلا شفاعة له؛ لقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}. أي لو فرض أن أحدًا شفع لهم لم تنفعهم الشفاعة.
وأما شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب حتى كان في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذابًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» رواه مسلم. فهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعمه أبي طالب فقط، وذلك والله أعلم لما قام به من نصرة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه، وعما جاء به.

.الحساب:

الحساب لغة: العدد.
وشرعًا: إطلاع الله عباده على أعمالهم.
وهو ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين.
قال الله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: «اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا». فقالت عائشة: ما الحساب اليسير؟ قال: «أن ينظر في كتابه فيتجاوز عنه» رواه أحمد. وقال الألباني إسناده جيد.
وأجمع المسلمون على ثبوت الحساب يوم القيامة.
وصفه الحساب للمؤمن: أن الله يخلو به فيقرره بذنوبه، حتى إذا رأى أنه قد هلك. قال الله له: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته.
وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين. متفق عليه من حديث ابن عمر.
والحساب عام لجميع الناس إلا من استثناهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهم سبعون ألفًا من هذه الأمة منهم عكاشة بن محصن يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب. متفق عليه. وروى أحمد من حديث ثوبان مرفوعًا أن مع كل واحد سبعين ألفا، قال ابن كثير: حديث صحيح وذكر له شواهد.
وأول من يحاسب هذه الأمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق» متفق عليه، وروى ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعًا: «نحن آخر الأمم وأول من يحاسب». الحديث.
وأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أول ما يحاسب [به] العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله» رواه الطبراني في (الأوسط) وسنده لا بأس به إن شاء الله، قاله المنذري في (الترغيب والترهيب) (ص246 ج1). وأول ما يقضى بين الناس في الدماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» متفق عليه.